في المجتمعات اللي مش متعودة على تعدد الثقافات بيميل الرأي العام لإنه يكون أحادي الفكر. بنشوف الأمور كلنا من منظور تقريبا واحد. لما نكون بنتكلم نفس اللغة وأغلبيتنا بتدين بنفس الدين وبندرس نفس المناهج الدراسية وبنتفرج على مصادر محدودة للإعلام، الطبيعي إن الناتج يكون واحد. كلنا بنؤمن بقيم متشابهة وبنحكم بقواعد متشابهة وبنشوف الأبيض والإسود زي بعض.
وعشان كده بيحصل شيء من الصدمة عند الجموع المتفقة على رأي واحد، لما حد يشق الصف ويرفع إيده ويقول: معلش يا جماعة.. أنا ليا رأي مختلف. وقتها بيعم الصمت وترتفع الحواجب وتتسع العيون ويسود الذهول وترد جموع الشعب قائلة: يعني إيه رأي مختلف؟ ابن مين انت يعني عشان يبقى رأيك مختلف؟ ما تخش الصف يا أذكى اخواتك من سكات.
بيحصل الكلام ده مع كل حدث بيستفز الرأي العام في اتجاه واحد موحد، وبشكل غالبا بيكون عنيف. حتى إن البعض اللي له رأي مختلف ممكن يحرج أو يتكسف أو يخاف يعلي صوته.
لكن فور اكتساب اتنين تلاتة للشجاعة اللي تخليهم يعلوا صوتهم، وحدوث الصدمة الأولى في المجتمع الناتجة عن اكتشاف الجميع إن فيه ناس شايفين الأبيض اللي احنا شايفينه إسود والإسود شايفينه يا سبحان الله أبيض، حتى تقام في كل مكان محاكم التفتيش، يبتدوا الناس يشكوا في أصدقاءهم ثم أقاربهم ثم معارفهم، يبتدوا يراقبوا كل كلمة، كل بوست على السوشيال ميديا، كل ميم وكل نكتة، عشان يفهموا هل هم معانا والا بعد الشر ليهم رأي مختلف. و يبتدي الكل يشمر أكمامه و يستعد للمعركة لأن الرأي المختلف في عرفنا ما ينفعش يعدي عادي كده، لابد أن يقابل بنوع من العقاب. نخاصم صاحبه، نقاطعه، نبلكه، نفضحه، نجرسه أو نسلط عليه الآخرين.
ويتحول الأمر لما يشبه هيستيريا الرأي الأوحد. لدرجة إن أحيانا شعور الجماهير بالإهانة ما بيكونش ناتج عن الرأي نفسه، بل لمجرد وجود رأي مختلف. تحسهم ماشيين في الفضاء العام ووسائل التواصل الاجتماعي بيشمشموا، زي جموع الزومبي اللي بتدور على ضحية لسه بيجري في عروقها الدم.
ولا يهم والله نوع الحدث. حدث سياسي بأه ، حادثة قتل، فرح أحد المشاهير، ده أنا حتى مرة اتعمل عليا حملة واتشتمت بأهلي عشان كان عندي رأي مختلف عن فيلم أجنبي كان تريند والناس كلها معجبة بيه، فليه وإزاي مايعجبنيش؟ ومين اللي عمل لي غسيل مخ عشان ما اشوفش هو عظيم أد إيه؟ ومين بالظبط اللي بيمولني عشان أقول كده؟
وعموما هو شيء مش مستغرب على دول بتعلن في أجهزتها الإعلامية إن هدف التعليم الحكومي والإعلام الحكومي هو إنتاج رأي عام موحد وتربية مواطن يحمل نفس ذات القيم والأفكار اللي بيحملها أخوه المواطن. بلا تعدد آراء، بلا تعدد أحزاب، بلا تعدد ثقافات، بلا كلام فارغ يا أخي، مش عايزين وجع دماغ.